الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد .
يقول الله تعالى : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى *علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى* فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى * ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى* إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى } ( 1).
سورة النجم مكية وهي تتناول أهداف السور المكية ، العقيدة بموضوعاتها الرئيسية (الوحدانية ، الرسالة ، البعث والنشور ) .
وقد روي عن عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة ( والنجم) ، قال : ( فسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – وسجد من خلفه ، إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب ، فسجد عليه ، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً ، وهو أمية بن خلف ) (2).
كما روي عن ابن عمر – رضي الله عنهما - قال : ( صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقرأ النجم ، فسجد بنا فأطال السجود ) (3).
إن حادثة الإسراء والمعراج من المعجزات ، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، فارتباط المسلمين بهذه البلاد هو ارتباط عقدي ، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً ، ولا موسمياً مؤقتاً .
والإسراء كان رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالقدس ، حيث تحدثنا في المقال السابق عن رحلة الإسراء ، أما المعراج الذي نتحدث عنه اليوم فكان رحلة سماوية من المسجد الأقصى المبارك إلى ما بعد سدرة المنتهى ، حيث لا يعلم مدى ذلك إلا الله سبحانه وتعالى ، حتى وصل عليه الصلاة والسلام إلى مرحلة كان فيها وحيداً دون جبريل أمين وحي السماء عليه السلام ، فنظر عليه الصلاة والسلام فلم يجد جبريل عليه السلام فقال : أفي هذا المكان يترك الحبيب حبيبه ؟ ! فقال جبريل عليه السلام للرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ( أنت إن تقدمت اخترقت ، وأنا إن تقدمت احترقت ) .
إن حادثة المعراج ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، فالآيات الأولى من سورة النجم والتي ذكرناها آنفاً تبين ذلك ، كما ورد ذكر المعراج في الصحيحين .
إن الله أيد نبينا – عليه الصلاة والسلام – بالمعجزات فشق له القمر ، وأسال الماء من بين أصابعه الشريفة ، وألان له الحجر ، وحن إليه جذع النخلة ،وأكرمه بمعجزة الإسراء والمعراج، وأراه في ليلة الإسراء والمعراج بعض آياته الكبرى وأوحى إليه ما أوحى ، وقد رأى عليه الصلاة والسلام مشاهد من أهل الجنة ومشاهد أخرى من أهل النار للترغيب في عمل الخير والتحذير من عمل الشر فمن المشاهد التي شاهدها .
* رأى رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – ليلة الإسراء والمعراج قوماً تضرب رؤسهم بالحجارة فتتفتت ثم تعود كما كانت وتضرب مرة أخرى ، فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هؤلاء قوم تكاسلوا عن الصلاة المكتوبة وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
إن للصلاة في الإسلام منزلة عظيمة ، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامة الجهاد في سبيل الله )(4)، وهي أول ما يحاسب عليه العبد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله )(5)، وهي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقة الدنيا : ( الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم ) .
* ورأى قوماً أمامهم قدور فيها لحم نضيج شهى طيب وقدور أخرى فيها لحم نيىء خبيث ، فيتركون الطيب ويأكلون الخبيث وقال له هؤلاء هم الزناة .
الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان ، فعندما ما يحرم أمراً فهو يوجد البديل ، لقد حرم الإسلام الزنا وأوجد البديل وهو الزواج ، وحرم الربا وأوجد البديل وهو التجارة ، فالزواج هو الطريق الشرعي لتكوين الأسرة المسلمة ولحفظ النسل ، وصيانة المجتمع من الرذيلة ، والزنا سبب للهلاك في الدنيا والآخرة ، لذلك لم يحرم الإسلام الزنا فقط، بل حرم كل منافذه من خلوة ، ونظر ، ومجون وغير ذلك صيانة لأعراض الأمة ، وحفاظاً على المجتمع الإسلامي من انتشار الرذيلة .
* ورأى قوماً يزرعون في يوم ويحصدون في يوم كلما حصدوا عاد الزرع كما كان فقال له جبريل هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعف .
للشهداء مكانة خاصة ، و قد بين الفقه الإسلامي على أن الشهيد أرفع الناس درجة بعد الأنبياء والصديقين ، " جاء رجل إلى الصلاة والنبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي ، فقال حين انتهى إلى الصف : اللهم آتني أفضل ما تؤتى عبادك الصالحين ، فقال قضى النبي – صلى الله عليه وسلم – الصلاة قال : من المتكلم آنفاً : فقال الرجل : أنا يا رسول الله : قال : إذا يعقر جوادك وتستشهد " (6).
هذا أفضل ما يؤتيه الله عبداً صالحاً ، أن يقتل في سبيله ، فالشهادة إذن مكانة خاصة لأناس يريد الله أن يرفع درجتهم ، والشهيد : سمي بذلك لأن الملائكة الكرام يشهدون موته فهو مشهود .
*ورأى رجلاً ممسكا بساق العرش وهو منغمس في النور ، فقال لجبريل أهذا نبي قال لا ، قال أهذا ولي قال لا ، قال فمن يكون ؟ قال هذا رجل كان لسانه رطباً بذكر الله .
ما أجمل المؤمن إذا كان محباً في الله ، معطياً في الله ، مانعاً في الله ، مبغضاً في الله ، إذا أعطى شكر ، وإذ منع صبر ، وإذا ظلم غفر ، وإذا أساء استغفر .
فقد قال موسى- عليه الصلاة والسلام - لربه : " يا رب علمني كيف أشكرك ، قال : يا موسى تذكرني ولا تنساني ، إنك إن ذكرتني شكرتني ، وإن نسيتني كفرتني " .
هذه بعض المشاهد التي رآها الحبيب – صلى الله عليه وسلم – في رحلته الميمونة ، فيها العبر والعظات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وفيها بيان لقدرة الله عز وجل القوى العزيز ، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
فعلينا أن نعود إلى ديننا مصدر عزتنا وكرامتنا ، وعلينا أن نعتمد على ربنا ، فلا نتوكل إلا عليه ، ولا نستعين إلا به ، وعلينا أن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك بالتوبة الصادقة ، بالإقلاع عن المعاصي والندم على مافات ، وعقد العزم على عدم العودة ، ورد الحقوق لأصحابها .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
الهوامش :
1- سورة النجم الآيات 1-18 2- أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي .
3- أخرجه البيهقي 4- أخرجه الطبراني
5- أخرجه الطبراني 6- أخرجه أبن حبان
|